فصل: اللغة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنهجية في قراءة كتب العلم (نسخة منقحة)



.(العقائد):

كتب العقائد يتدرج فيها طالب العلم؛ بَدْءًا من مؤلفات الإمام المجدِّد رحمه الله تعالى: الأصول الثلاثة، والقواعد الأربع، وكشف الشبهات، ثم كتاب التوحيد، ثم الواسطية، ثم الحموية، والطحاوية، والتدمرية، على هذه الطريقة، على هذا التسلسل: يمسك الطالب المتن ويحفظه، ويراجع في أول الأمر شرح مختصر يَحُل له بعض الإشكالات، ثم يراجع ما هو أطول منه على ما تقدم في كيفية دراسة التفاسير وشروح الأحاديث، فإذا قرأ هذه المتون: مؤلفات الشيخ الإمام المجدد (الأصول الثلاثة، والقواعد الأربع، وكشف الشبهات، التوحيد)، (الواسطية، الحموية، التدمرية)، و(الطحاوية)، أيهما يقدِّم على الآخر، لا شك أن الحموية أسهل من التدمرية، لكن التدمرية لا بد منها، قبل التدمرية والطحاوية لو قرأ في (سلم الوصول) مثلًا وفي (عقيدة السفاريني) وراجع عليها في الشروح، وفي هذين الكتابين وغيرهما من الكتب كـ: (كتاب التوحيد) يختصر الشروح.
قد يقول قائل: أنا أقرأ شروح (التوحيد) ثم بعد ذلك إذا انتهيت، الفائدة موجودة لكن أقل مما توقعت!
نقول: اختَصِرْ، اختَصِرْ (فتح المجيد) ما المانع، اختَصِرْ (تيسير العزيز الحميد)، انثُر زوائد هذا على هذا لأن العلم بالتقليب وبالمعاناة هذه وكثرة التعب يَثْبُت، فعندك (سلم الوصول) أبيات قليلة شُرحت في ألف وثلاثمائة صفحة، ما المانع أن تختصر هذا الكتاب بثلاثمائة صفحة فقط، ويرسخ عندك الكتاب، تحفظ المنظومة وبعد ذلك يرسخ عندك معاني هذه الأبيات، وقُلْ مثل هذا في منظومة السَّفَّاريني في عقيدته (الدرة المضيَّة) مع شرحها (لوائح الأنوار البهية) أو (لوامع الأنوار)؛ لأنه في طبعته الأولى – طبعة المنار – سموه (لوائح)، وفي الطبعة الثانية (لوامع)، فالاختصار أنا عندي في غاية الأهمية لطالب العلم.
ولا يختصر هذا بنية النشر على أنه مؤلَّف له جديد ينشره بين الناس، لا، أول من يستفيد منه نفس المختصِر هذا، ولذا يقول الإمام مسلم في مقدمة صحيحه: (وإذا عُزِم لي تمامُه فأول من يفيد منه أنا)، صحيح! المؤلف أول من يستفيد من كتابه، لا على نية أن ينشره للناس، ولا مانع أنه إذا تأهل بعد ذلك وعرضه على أهل العلم والخبرة والاختصاص أن يقدمه للناس يستفيدون منه، فعندي مسألة الاختصار خير معين للتحصيل، بل إذا قلت أنها من أقرب الطرق لا سيما لمتوسط الحافظة، أم قوي الحافظة فإذا قرأ ما عنده مشكلة، إذا قرأ الكتب من الناس – وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء – مرة واحدة استوعب الكتاب، بعض الناس إذا قرأ مرتين انتهى، بعض الناس يقرأ مائة مرة لا يستوعب الكتاب، مثل هذا لا بد له من أن يعاني ويتعب على الكتب، والاختصار من أفضل الوسائل، وذكرنا هذا بالنسبة لتفسير ابن كثير، ونذكره في مثل هذه الكتب، ونذكره في شروح كتب الأصول مثلًا، لكن من طلاب العلم يقولون: والله كتب الأصول أنا أعاني، عجزت، ما مسكت شيئًا!! أو كتب النحو!! نقول: تحفظ الورقات وتقرأ وتسمع شروح الورقات تستفيد فتتأهل للمرحلة التي بعدها، والمرحلة التي بعدها يكون فيها الاختصار، تأتي إلى مختصر التحرير؛ قد لا تفهم المختصر، لأنه صعب؟ كلا، أو تأتي إلى مختصر الروضة للطوفي، ثم بعد ذلك هذان الكتابان مشروحان بشرحين مبسوطين، فشرح مختصر التحرير اسمه (الكوكب المنير)؛ هذا في أربعة مجلدات، والمختصر في صفحات يسيرة، ما المانع أن تنظر في هذا الشرح وتنظر في المتن؛ مسألة مسألة وماذا قال الشارح، حاول أن تفهم هذا الشرح، تعيده مرتين ثلاثة فتصوغه بأسلوبك، بدلًا ما هو في ثلاث صفحات أربع صفحات تصوغه بأسطر، فإذا انتهيت من الكتاب المكون من أربعة مجلدات تكون قد اختصرته في مائتي صفحة أو ثلاثمائة صفحة، بهذا يثبت العلم ويَنْحَفِر في الذهن، قل مثل هذا في شرح مختصر الروضة للمؤلف نفسه، والشرح من أنفس الكتب في هذا الباب، ما تستطيع أن تستوعب ألف وسبعمائة صفحة من القطع الكبير، لكن إذا اختصرت وانتهيت من هذا الاختصار تستوعب.
ولا بد أن ننبه أن من استطال الطريق لن يحصل علمًا، لا بد أن يطول الطريق؛ لأن العلم لا بد أن يُطلب من التمهيد إلى الموت إلى الوفاة، فأنت إذا حفظت المتون وقرأت في الشروح المختصرة بعد الحفظ ثم بعد ذلك تختصر الشروح المطوَّلة.
كتب العقائد التي ذكرناها على هذا الترتيب وهذا التسلسل إذا انتهيت منها أنت مؤهل لأن تقرأ أي كتاب في العقائد، نعم إذا لم يكن لديك معرفة بعلم الكلام يبقى عندك إشكالات في مثل (منهاج السنة) وفي مثل (درء تعارض العقل والنقل) وفي مثل (نقض التأسيس)، نقول: يا طالب العلم لا تكلف نفسك بفهم كل شيء يقوله شيخ الإسلام في هذه الكتب الثلاثة؛ لأنها تعوقك عما هو أهم منها، يعني في (شرح السنة) عندك المجلد الأول أو الثاني ما يقرب من ثلاثمائة صفحة أشبه ما تكون بالتلاصم، إلا شخص عنده درْبة بعلم الكلام وله معاناة في هذا الفن، وقل مثل هذا (درء تعارض العقل والنقل) مملوء من هذه المباحث،...
فما تفهمه أعد النظر فيه وكرره، والذي لا تفهمه إمرار، ولا يلزم أن تقف عليه؛ لأن من الكبار من يمر هذه المباحث، بل إذا علَّم عليها علامة الصعوبة بالقلم المعيَّن لهذه المباحث وليكن بيده قلم خامس بلون خامس يضع عليه علامة أن هذا لا يرجع إليه، وعلم الكلام كما قال شيخ الإسلام رحمه الله: المنطق علم غث كلحم جمل على رأس جبل، لا يحتاجه الذكي ولا يفيد منه الغبي.
نعم يحتاجه من يريد أن يرد على الفلاسفة وعلماء الكلام، يفيد منها، لكن كم تحتاج الأمة إلى مثل هؤلاء علشان نقول لطلاب العلم: كلكم اقرؤوا في هذا، ويصير هذا على حساب المقاصد التي هي علوم الكتاب والسنة.
السواد الأعظم من طلاب العلم لا يحتاجوا إليه.

.(كتب شيخ الإسلام وكتب ابن القيم):

كتب شيخ الإسلام وكتب ابن القيم لا يستغني عنها طالب علم، كُتُب منها ما لا يمكن تصنيفه تحت عنوان، أو تحت فنٍ من الفنون، فإذا تدرج طالب العلم في الفنون قد يغفل عن هذه المهمات، وهو بحاجة إلى هذه الكتاب التي تعالج أدواء القلوب، فلو يجعل الترتيب المعروف لتحصيل العلم الذي يتعلق بعلم الجوارح متى يرجع إلى هذه الكتب التي تعالج أمراض القلوب؟
متى يقرأ الجواب الكافي مثلًا لابن القيم؟ متى يقرأ في حادي الأرواح؟ متى يقرأ في مدارج السالكين؟ متى يقرأ في إغاثة اللهفان؟ متى يقرأ وهو بأمس الحاجة إلى إعلام الموقعين أو زاد المعاد؟ لابد أن يقتطع لها جزءً من وقته،وقل مثل هذا في كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، وتكون بجواره الأقلام التي ذكرنا لتتم الاستفادة.

.(الفقه):

كتب الفقه يحتاج فيها إلى التدرج، ولا نحتاج أن نطيل فيها لأن الشيخ عبد القادر بن بدران ذكر طريقة للتفقه مفيدة:
أولًا: التدرج لابد منه سيقرأ الطالب في أول الأمر مثل: آداب المشي إلى الصلاة مع شروطها للشيخ الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهَّاب، ثم يقرأ في العمدة (عمدة الفقه) للإمام الموَفَق، ثم بعد ذلك يقرأ في الدليل والزاد وما بعد ذلك على طريقة تكون هذه الكتب في المرحلة الثالثة عناصر بحث، خطة بحث، يعني في المرحلة الأولى طريقة الشيخ عبد القادر بن بدران نافعة للمرحلة الثانية، يحفظ المتن ويجتمع مع مجموعة متقاربين في السن والفهم ثم بعد ذلك كل واحد من هؤلاء الطلاب يشرح القدر المحدد بنفسه من غير الرجوع إلى الشروح، ثم بعد ذلك إذا اجتمعوا يقرأ كل واحد شرحه، ويتناقشوه، يقول: أنا فهمت كذا، والثاني يقول: لا، أنا فهمت في هذه الجملة كذا، فإذا انتهوا من قراءة ما عندهم يقرؤون الشرح، شرح الكتاب، ويصححون أخطائهم، فإذا صُحِحَت هذه الأخطاء لن تعود إلى القلب مرة ثانية، ثم يرجعون إلى الحواشي، ثم بعد ذلك يحضرون الدرس عند الشيخ، صار عندهم الآن استعداد تام لما يزيده الشيخ على ما في الكتب، يتفقه الطالب بهذه الطريقة.
في المرحلة الثالثة: وحينئذٍ يقرأ الزاد- زاد المستقنع- ووضع له أساس كتاب أو اثنين يقرأ الزاد على أساس أنه عناصر بحث، خطة بحث، لا أنه دستور لا يحاد عنه هذا كلام البشر، فتمسك المسألة الأولى ثم تبحث لها عن دليل وتعليل، دليل وتعليل لهذه المسألة، من وافق المؤلف على هذا من أتباع المذهب؟ من خالفه؟ من وافقه من المذاهب الأخرى؟ ومن خالفه؟
وننظر في أدلة الجميع ونأخذ القول الراجح؛ يعني طالب العلم إذا انتهى من زاد المستقنع على هذه الطريقة فقيه، ينتهي فقيه، يعني بدون تردد، هذا إذا كان لديه فقه نفس، فما كل واحد يعاني العلم يكون عالم، قد يطلب العلم سنين ولا يحصل علم، لكن إذا مسك الجادة من أولها ومعه من الإخلاص ما يَعْتَمد عليه مما يكون سببًا إلى توفيقه ومعه حرص واجتهاد وعنده من يستشيره من أهل العلم ممن يثق بعلمه، بإذن الله يحصل، وإلا فلا يلزم أن يكون كل من طلب العلم يكون عالم، ويكفي من لم يُقَدِّر الله له شيء من العلم يكفيه أن يكون قد سلك الطريق «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ» يكفيه هذا.
المتفقه على هذه الطريقة، قد يقول قائل: هل نحفظ كتب الفقه؟
إذا كانت الحاضرة قوية وتُسعف لا شك أن حفظ كلام أهل العلم مفيد، نحن نسمع من يفتي ويتصدر للإفتاء، تجد بعض الناس عنده محفوظ من كلام أهل العلم كلامه متين ورزين، وبعض الناس ما عنده حفظ تجده إلى ما يكون إلى الإنشاء، وهذا عند تفريغ الكلام وطبعه لا تقبله الأسماع؛ لأنه ليس لديه رصيد من كلام أهل العلم.
انتهينا من التفسير والحديث والعقائد والفقه.

.اللغة:

طالب العلم بأمس الحاجة إلى اللغة؛ لأن القرآن عربي والرسول عليه الصلاة والسلام عربي، ولا يُفهم الكتاب والسنة إلا بلغة العرب.
علوم اللغة متفرعة تصل إلى اثني عشر فرعًا، لكن أكثر ما يحتاج إليه النحو والصرف والمعاني والبيان والبديع والوضع والاشتقاق، ومتن اللغة وفقه اللغة هذا أكثر ما يُحتاج، ليأخذ طالب العلم من كل فن من هذه الفنون مختصر، فيبدأ بالآجرومية مثلًا، فيحفظها ويقرأ عليها الشروح المطبوعة، يحضر فيها الدروس، قراءة الكتب يا إخوان لا تُغني عن حضور الدروس، لهذا لابد أن نؤكد عليه، لابد من الحضور عند المشايخ، يقول أهل العلم قديمًا: من كان علمه من كتابه صار خطئه أكثر من صوابه.
إذا حضر الدروس وسمع من المشايخ وقرأ الشروح وسمع من سُجِّل على هذا الكتاب من أشرطة يفيد فائدة عظيمة، لبنة أولى في هذا الفن، ثم بعد ذلك القطر- قطر الندى- أو (الملحة) بشروحها، ثم بعد ذلك يتأهل للنظر في (ألفية ابن مالك) فإذا قرأ هذه الكتب قد يقول قائل: أنا والله حفظت الألفية لكن ما ثبت في ذهني من شروحها شيء، نقول: عليك تمسك الشروح، شرح ابن عقيل مثلًا فصغه بأُسلوبك، شرح ابن هشام مثل شروح مثل شرح مختصر التحرير صعب، فأنت إذا فهمته وصغته بأُسلوبك فهمت، لو تطلع إلى ما فوق ذلك من شرح الأشموني حاشية الصبان، وتختصره في أربعة مجلدات في مجلد واحد تستفيد فائدة عظيمة.
وأما ما يتعلق بعلوم الحديث فقد كررناها مرارًا، وكتبت في مقدمة بعض الكتب يرجع إليها طالب العلم.
بقي عندنا الصرف، إذا تدرجنا في النحو الآجرومية، القطر، الألفية، وفيها مباحث صرفية، يقرأ قبل الألفية مما يعينه على فهم المباحث الصرفية الشافية لابن الحاجب ولها شأن عند أهل العلم، وهي مشروحة، لكن مع الأسف أنه قد لا يجد شيخ يعينه على فهمها، ولا مانع من أن يجتمع ثلة من طلاب العلم يذكرون حاجتهم إلى شرح هذا الكتاب إلى شخص متخصص ويحتسب لهم درس وعليها شروح وموجودة ومطبوعة.
المعاني والبيان والبديع هذه يقوم بها التلخيص- تلخيص المفتاح مع شروحه- ويقرأ المطولات في كل علمٍ من العلوم على الطريقة التي أبديناها سابقًا في التفاسير المطولة بالأقلام والمذكرات.
هناك علوم يستهين بها كثير من طلاب العلم وكثير منها لا شك أنه ليس من متن العلم، بل هي من مُلَحِهِ، ككتب التاريخ مثلًا، كتب التاريخ، إذا قرأ الطالب في كتب التاريخ لا شك أنها فيها شيء من المتعة والاستجمام؛ لأنك إذا انتقلت من أصول الفقه إلى النحو ورجعت للتفاسير، عدت إلى كتب شروح الحديث، لا شك أن الذهن يحتاج إلى شيء من الاستجمام، فيحصل الاستجمام بكتب التواريخ وكتب الآداب.

.(التاريخ):

كتب التواريخ إضافة إلى الاستجمام فيها العِظَة والاعتبار؛ لأن السنن الإلهية واحدة لا تتغير، فالأسباب التي أُهلِك بسببها الأمم يهلك فيها غيرهم، فالسنن لا تتغير ولا تتبدل، ولم يُستثن من ذلك إلا قوم يونس، وأما مَنْ عداهم إذا توافرت الأسباب حَقَت الكلمة، فماذا لو قرأنا في تاريخ ابن كثير رحمه الله، في الأمم الماضية واللاحقة، في الأمم التي قبل الإسلام والأمم التي والدول التي جاءت بعد الإسلام وجدنا أن كثير من بلدان المسلمين يحذو حذو تلك الأمم التي حَقَت عليها الكلمة، وحصل ما حصل في بعض البلدان من الأسباب ما حصل والنتائج حصل فيها ما حصل، في العصر الذي نعيشه، وما أشبه الليلة بالبارحة، وإذا كنا نقرأ قصص القرآن في الأمم الماضية على أنها للتسلية فنحن لسنا على الصراط، ضللنا إذًا، مضى القوم ولم يرد به سوانا {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ} [يوسف: 111] فلابد أن نعتبر وندكر.
يعني: لو قرأنا بالمجلد السادس مثلًا من نفح الطيب في تاريخ الأندلس الإنسان يضع يده على قلبه، ويسأل الله جل وعلا السلامة وأن يدفع عن المسلمين ما يستحقونه من العذاب، لابد من القراءة في هذه الكتب لما ذكرنا.
يقرأ في كتب الأدب، وفيها أيضًا من المتعة ما فيها، وهي أكثر لم نقل مثل كتب التاريخ من المتعة ما فيها، وفيها أيضًا ثروة لُغَوية يستطيع العالم أو طالب العلم أن يبُِين عن ما في نفسه بواسطتها، فالعلماء يقرؤون هذه الكتب وإن كان في كثير منها شيء مما لا يقبله الذوق، ذوق الرجل العادي فضلًا عن عالم ومتعلم، شيء يُستحيا من ذكره لكن لابد من قراءتها، ووجدنا من أهل العلم من يقرأ، ووقع في أيدينا من كتب الأدب المطوَّلة ما عليه اسم بعض الكبار أهل العلم والورع، وعليها تعليقات لهم تدل على أنهم يقرؤون في هذه الكتب، لكن ليس معنى هذا أن يكون على حساب علوم الكتاب والسنة، لا، هذه يُسْتَفاد منها؛ متعة، واستجمام، وشيء يتحدث به العالم حينما يشرح لطلابه، وبذكر نكتة من هذه الكتب، يريح الطلاب فيها، ويجعلهم يتقبلون ما عنده، فإذا لم يكن في الدرس طرفة لا شك أن الطالب يمَلَ، وما يُشاهد في بعض الدروس من نوم بعض الطلاب إلا لأنها ماشية على وَتِيرة واحدة فالخروج إلى مثل هذه الكتب والإفادة منها، وإفادة الطلاب وإلقاء مثل هذه العلوم عليهم لا شك أَنَّه ينشط الطلاب، والأمور بمقاصدها، ويستعمل في هذه الكتب المطولة ما ذكرناه من الأقلام، وكتب التواريخ كثيرة جدًّا، فيها مطولات ومن أنفعها لطالب العلم (الكامل) لابن الأثير، وصياغته للأحداث لا نظير لها، و(البداية والنهائية) للإمام الحافظ بن كثير، وفيه أيضًا لافتات له رحمه الله، وتنبيهات لا توجد في غيره، فعلى سبيل المثال لمَّا ترجم لابن الراوندي مُلْحِد ذكر عنه ما يستحق من الألفاظ، ثم قال: ترجم له ابن خَالِكان في: وفيات الأعيان، وأشاد به وأطال في ترجمته كعادته في معاملة الأدباء وبخس العلماء، ولم يذكر عنه ما عُرِفَ عنه من زندقة، وكأن الكلب ما أكل له شيئًا من العجين، يعني ما كأن الأمر يعنيه، مع أن العالم أو المتعلم هذه وظيفته، هذه وظيفة العالم بيان الحق من الباطل، فيعاملنا ابن الراوندي مثل ما نعامل أئمة الإسلام، وأضفنا عليه من الثناء والمدح، ولو في فَنِهِ مثل ما يُضاف إلى علماء المسلمين، كيف يفرِّق طالب العلم؟
الحافظ ابن كثير له تنبيهات مهمة جدًّا وله أيضًا عناية بالتراجم أكثر من ابن الأثير، وأيضًا يفيد طالب العلم من تاريخ ابن خلدون، وفيه تحليل للأحداث، ولا شك أن هذا يفتح آفاق لطالب العلم يحلل بها الأحداث المماثلة بدلًا من أن يتخبط كما يتخبط الناس الآن مع الأسف، حتى مع بعض طلاب العلم يخرجون في وسائل الإعلام ثم بعد ذلك يتحدثون عن بعض القضايا المعاصرة كأنهم صحافيون، توقعات كلها، ما كأنهم يأوون ويرجعون إلى نصوص، فطالب العلم بحاجة إلى قراءة كتب التواريخ والأدب.
وسمات كتب الأدب متفاوتة، فيها المسف، وفيها النظيف إلى حد ما، فـ (زهر الآداب) للحصري نظيف إلى حد ما، أيضًا (نزهة الْمجَالس وَأُنْس الْمُجَالس) لابن عبد البر كتاب نفيس، هذا في كتب أدب الدرس.